يندرج الفنان مصطفى السيحي، في المشهد التشكيلي، ضمن سياق خاص، إذ  يشتغل على  القصبات من منظور روحي ( صوفي تحديدا) فالقصبات، عنده، تعبر عن الطهارة.. عن الأصول والجذور.. عن الصفاء.. وعن العبقرية. الاهتمام بالقصبات، كتيمة روحية، تولد عنده  كإحساس أولا، ثم بدأ يكبر كانشغال ثانيا، إلى أن أصبح هاجسا فكريا وجماليا، وبحثا في الذاكرة الفينة، وتوثيقا للمعمار المغربي القديم، وتحيينا للقصبات كأشكال هندسية حية لا كتراث جامد ومحنط. هذا الاختيار يحيل على نوع من التناص، ويذكر بالفترة الزرقاء عند بيكاسو أي أن الفنان / الرسام/ الفنان التسكيلي يرتقي من مستوى الصورة، إلى روح الصورة والإحساس بها.
    الدارس لأعمال الفنان مصطفى السيحي الصباغية يكتشف - على الفور - تلك الرحلة التجريبة التي قام بها، ليقف عند القصبات التي وجد فيها ضالته، ولكن ليست كمواقع أثرية سياحية، بل ككائن له روح وحياة وتاريخ.  انطلاقا من هذا المعطى، جاء تميز مصطفى السيحي الذي لا يحب الأضواء، بل يشتغل في صمت. لا يسعى إلى الشهرة بقدر ما يغويه التنقيب العالِم والواعي لذاته كفعل لا ينتهي عند الماضي، بل يمتد إلى استشراف المستقبل.
            
     رؤية العين لا تشكل، بالنسبة لمصطفى السيحي، مدخلا لعالم القصبات المليء بالأسرار، بل الإحساس الروحي هو المفتاح لفك رموزها، وبالتالي رسمها بنوع من الإجلال كما لو كان في حضرة صوفية ربانية لكي يهبها قيمتها كتاريخ، وكتراث رمزي، وكمكون جمالي، لا تدركه الفلسفة، ولا حتى العقل، بل الاقتراب منه يكون روحيا، عن طريق طقس خاص، يتداخل فيه الحلم بالتحقق الواقعي عبر تجليات وتمظهرات تكون من صنيع الفنان الحالم..  الفنان المختلف الذي لا يكرر ذاته، ولا موضوعه، ولا يتعامل مع الآخر من زاوية واحدة وبنفس الطريقة. إنه سعى إلى تحقيق الفرحة داخليا، وغالبا ما يكون غير معبر عنها عند النظرة الأولى للوحة. هذا هو المنحى الصوفي الذي نهجه السيحي وبلوره من خلال التراكم الكيفي العالم والمدرك لماهيته. الشكل الخارجي تعبير عن الحقيقة الداخلية. هذا بعد فلسفي لجأ إليه الفنان السيحي إما بوعي، أو ساقه إليه حسه الفني، وهو ما جعله يبحر من ميناء تشكيلي إلى آخر إلى أن رست سفينته في ضريح المعرفة الصوفية.   
     الدكتور محمد الوادي